قصدت ذات يوم السوق الأسبوعي برفقة إبني لشراء حاجياتنا الأسبوعية من الخضر و الفواكه و اللحم. بعد الجولة الأولى في السوق، إسترعى إنتباهي لحم جزار في نوعيته، و تقطيعه، و كذا كيفية تقديمه. رغم تواضع المكان, إقتربت منه فكان الجزار يقطع قطعة لحم لأحد الزبائن سبقني إليه…
الجزار كان كثير الكلام مثله مثل باقية التجار, ظل يلف و يدور في تناول مواضع مختلفة لجر الزبائن إلى الكلام.
قلت له هذا الأسبوع إرتفعت اسعار الخضر و الفواكه بشكل جنوني، و وصفت التجار بالذئاب.
أعجبه هذا الكلام و ضحك، ثم واصل و قال.
يا سيدي لا يوجد في هذه الأرض ذئاب أكثر من الجزارين. و أنا منهم.
قال: أنا نشأت من عائلة إحترفت الجزّارة منذ القديم و هي مهنة نتوارثها أب عن جد.
ثم قال: سأحكي لك قصة واقعية حدثت مع جدي الجزار رحمه الله.
السوق الأسبوعي زمان كان مقصد للناس من قرى مجاورة مختلفة قصد قضاء حاجياتهم و كذا ملاقاة معارفهم و أحبابهم
ذات مرة قصده رجل محترم و طلب منه أن يزن له قطعة لحم طرية جديدة و أن يضعها على الجانب الى حين عودته.
للتذكير رجال القرى معروفين بالصدق و المصداقية و الثقة و الإحترام. و الكلمة عندها مقام كبير بينهم.
قال له جدي ضاحكا: بالطبع سأمنح لك لحم يجعلك تأكل منه طوال أيام الأسبوع. تركه الرجل و واصل مشواره.
في آخر النهار مر الرجل على جدي و دفع له ثمن اللحم و إنصرف راجعا إلى داره.
وصل متأخرا و وجد إمراءته في إنتظاره قصد إعداد طعام العشاء.
بعدها بدأت النساء في تحضير العشاء باللحم. الوقت يمر, العجوزة بدأت بتفقد القدرة و تراقب اللحم، و كان هذا الأخير بقي على حاله, لم يطب. صلى الرجل صلاة المغرب، و ندى إمراءته ، نحن في إنتظار العشاء.
قالت له إصبر قليلا .
العجوزة بدأت تشعر بالقلق، اللحم باق على حاله كما وضعته.
بقي اهل الدار ينتظرون العشاء. تأخر كثيرا.
يتباهى الجزار بلحومه : لحم تظل تأكله طوال أيام الأسبوع. إنها أفعال الذئاب
سمع الرجل آذان صلاة العشاء، فقام و صلى.
ندى العجوزة، و قالت بخجل لاشيء تغير يا رجل، ما هذا اللحم الذي أشتريته هذا اليوم، ليس من عادتك هذا،
الجزار خدعك.
الرجل: لا، لا يمكن ذلك،
هو صديق قديم، لا يفعلها،
غضب الرجل لكنه كتم غيضه. طلب من العجوز تقديم لهم العشاء دون اللحم، و هذا ما حدث. أطفاءت النار و قدمت لهم العشاء.
في اليوم الموالي أوقدت العجوز النار باكرا قصد ربح الوقت لتحضير اللحم للفطور. لكن للأسف وقت الفطور قد حلّ و اللحم لم يطب.
العجوزة ما هذا اللحم يا رجل.
الرجل: أشتريته من عند صديق لي، و طلبت منه أن يعطني قطعة طرية جديدة، لكنه يبدو أنه خذلني.
مر اليوم الثاني دون أكل اللحم، ثم اليوم الثالث و الرابع، تكررت العملية في اليوم الخامس و السادس و اللحم كان يدور و ينتفخ في القدرة.
إشتد غضب الرجل و بدأ يظهر صوته لا أمان في التجار و خاصة الجزارين، سيرى ماذا أفعل معه.
في الأسبوع الموالي نزل الرجل إلى السوق و الغيظ يتطاير من عينيه، قصد الجزّار أولا قبل غيره، و عند وصوله إليه، لاحظ جدي ملامح وجهه تغيرت، الغضب ظاهر على محياه، إستقبله جدّي بالترحاب و الضحك الأصفر.
قال له الرجل لماذا فعلت هذا يا فلان، أنا الذي أثق فيك ويبدو أنك لست بأهل لها.
أجابه له جدّي ماذا جرى يا رجل.
قال الرجل اللحم الذي أشتريته منك الأسبوع الماضي بقي أسبوع كامل على النار و لم يطيب إلى الآن.
إستعمل جدّي المكر و الدهاء، و قال له ألم أقل لك بأني سوف أمنحك لحم تظل تأكله طوال أيام الأسبوع؟ كنت أنتظر الشكر منك
ضحك الجزّار الإبن و قال المكر و الخداع من صفاتهم.
أليس هذه من أفعال الذئاب بعينيه؟.
اقرأ أيضا مقالاتنا