دعاء أم لإبنها

في مقال اليوم سأروي لكم قصة دعاء أم لإبنها القادم على الهجرة.

حدث هذا خلال حقبة الإستعمار الفرنسي للجزائر. حيث فرص العمل قليلة إن لم نقول منعدمة. كان الفقر سيد الموقف. إما أن تعمل خماسا عند المعمرين في الأرض. من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مقابل لاشيء ، تحت أنظار حراس المزارع لا رحمة في قلوبهم. المعمرون هم من مالطا، برتغال، إسبانيا  إيطاليا وفرنسا.

أو تضطر على الهجرة إلى فرنسا المستعمرة للإسترزاق فيها ولمن أستطع إليها سبيلا.

هذا يكلف غاليا على الجزائريين. لأن تكلفة السفر باهظة الثمن وليست في متناولهم. المال غير موجود لدى الأهالي ، البعض يقوم برهن أراضهم إن لم يجدو من يقرضهم المال.

دعاء أم لإبنها

فكان أحد الشباب طلب من أمه السماح له بالذهاب إلى فرنسا لطلب العمل. حيث أن كل الذين سافروا إليها ورجعوا، ظهرت عليهم ملامح الرخاء وأصبحوا من العائلات الميسورة الحال في القرية.

و لماذا هو لايجرب حظه.

الأم خائفة على إبنها الوحيد الذي بدأ يفكر في الهجرة … . الغربة صعبة ، خاصة أن إبنها لايعرف المدينة ولا يوجد سند له هناك.

لكن الشاب أصر، وبدأ يقلق أمه .

فكرت الأم كثيرا وصار النوم يطير من عينيها. و أهتدت في الأخير إلى فكرة أن إبن عمه  يمكن لها أن تستشره في الأمر .والمناسبة أن هذا الأخير كان في الجزائر عائد من فرنسا لقضاء عطلة فيها.

خرجت في الحين قاصدة داره لعلها تجد مبتغاها عنده .

إقترحت الأم على إبن العم ما دار بينها وبين إبنها من الحديث حول الهجرة.

إبتسم ، ثم قال  شعر إبنك بالكبر وهذا من حقه.

دعاء أم لإبنها : طريقك  أمامه  نور و خلفه  أخضر

. قالت الأم ما هو العمل إذا؟ ، فأنا قلقة عليه، صرت لاأنام طول الليل

وافق إبن عمه على أن يتكفل به و يأخذه معه. وأن تكلفة السفر ستكون على عاتقه و يمهله إلى أن يدفعها بنفسه.

و قال سوف يعيش معي و يكون تحت نفقتي إلى أن يجد العمل. وسأعمل جاهدا في البحث عن مكان يعمل فيه. ويكون تحت نظري طول الوقت إلى أن يصبح قادرا على تحمل أعباءه مثل أهل المدينة.

فرح الشاب لسماع كلام إبن عمه. و كان همه طوال الوقت ينتظر وقت نفاذ عطلته….

وصل ذلك اليوم المنتظر. بقي ساهرا مع أمه طوال الليل، وكان في كل مرة يطلب منها الرضى

 والدعاء له، حتى تتفتح عليه أبواب الخير في الغربة.

وكانت الأم لا تدخر جهدا وأن كل كلامها له هو دعاء و توسل من الله عز وجلا أن يفتح عليه أبواب الخير واليسر ويبعد عليه كل ما لا يرغب فيه. من مكروه وسوء وأن طريقه  أمامه  نور وخلفه أخضر

 يا رب يا رزّاق. وكان كلامها ممزوج بالبكاء والدعاء ، وكانت تردد روح يا إبني طريقك أمامه نور وخلفك أخضر، ويردد خلفها أمين، أمين……

في الصباح الباكر غادر الشاب برفقة إبن عمه وترك خلفه أمه في الجزائر قاصدا فرنسا.

عند وصولهم. مضى عليهم

اليوم الأول، ثم الثاني وفي اليوم الثالث أخذه إبن عمه إلى صاحب العمل ليعرّفه به ويعين له عمله .

فرح الشاب بوجود العمل ، حتى يثبت قدرته على تحمل نفقاته، كما يرسل لأمه ما فاض من مصروفه.

 بدأ الشاب العمل متحمسا كله نشاط وثقة في النفس.

الغربة مليئة بالصعوبات والمشقة، لكن النجاح لمن يصبر ويثابر

مر عليه الشهر الأول ثم الثاني والثالث …..ثم السنة. التعب والإرهاب بدأ يظهر على جسده، إدخاراته قليلة لا شيء يفرحه.

ذات يوم جلس في حجرته  وبدأ يسترجع ذكرياته في الجزائر مع الأحباب وأمه، ثم تذكر دعاء أمه له، إنفجر بالضحك ولفت إنتباه إبن عمه، إذ قال له ما بك تضحك هكذا وحدك

قال الشاب ضاحكا تذكرت دعاء أمي التي كانت تدعو لي بأن يكون

أمامي نور وخلفي أخضر ، ضحكت لأن دعاء أمي كله تحقق، قال إبن عمه كيف ذلك؟

قال الشاب كل يوم عندما أدخل نفق المنجم أربط على جبهتي مصباح ليضيئ  الطريق أمامي وأجر خلفي عربة مملؤوة بالفحم ذات لون أخضر.         

إن دعاء أمي وجدته تحقق في واقع حياتي فقد أصابت ، ثم ضحك وضحك معه إبن عمه . عم الفرح الحجرة لفترة من الوقت،

تنهد إبن العم  ثم قال كثيرا من الناس يظنون أن الغربة سهلة وأن العيش فيها لا يكلف الكثير ، وها أنت ترى بعينيك وتعيش واقعها  لايمنحونك فرنكا واحدا ألاّ بعد أن تستنزف جهدك و تعرق عليه .

هذه حياة الرجال في الغربة, المصاعب والمشقة، لكن النجاح لمن يصبر ويثابر على العمل الحياة مدرسة للرجال … 

اقرأ أيضا:

قصة مغترب

عن Yazid

شاهد أيضاً

حــذاري من تحــريك الوتــد

إقترب موعد رحيل إبليس، و ترْك المكـان. فقــال لأبنـاءه لـن نـرحــل قبـل فعـل شئ فيهـم، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *