في يوم من أيام الشتاء الباردة، كانت الثلوج متراكمة على الأرض بسبب هطولها طول الليل. الحياة شبه مشلولة. كل شيئ أبيض، حتى الأشجار تظهر بحلة جديدة بيضاء منحنية أغصانها تكاد تلامس الأرض من شدّة حملها الثقيل. إنه الثلج، إختفت كل ملامح الحياة على السطح، ما أجملك يا طبيعة في القرى. هذه السنة تبدو ملامح فصل الشتاء ستكون خير و بركة على الناس.
كل الناس لازمت ديارها، و الحيونات في زرابيها.
إنتظر ذئب في الغابة قدوم الراعي بمواشيه. لكن لا شيئ من هذا النوع. كان الذئب في وضعية لا يحسد عليها فمنذ بضعة أيام لم يتذوق أي شيئ.
خطرت في ذهنه فكرة و هي النزول إلى القرية لعله يجد شيئ يسود به رمقه ريثما تتحسن الأوضاع.
إنتظر الذئب غروب الشمس. فنزل إلى القرية. أخذ يدور في أزقتها بحذر، و بدأ يبحث عن الحيوانات الأليفة. شعر به أحد كلاب الحارة و بدأ ينبح بأعلى صوته و هي إشارة وجود خطر في القرية. سمعته كلاب القرية فخرجوا جميعهم، فرأوا ذئب يتجول في الحارة، أطلقوا عنانهم بالنبح و الجري خلفه محاولين مسكه. رأهم الذئب و بهذا العدد شعر بالخطر فلذى بالفرار، تابعوه الكلاب تجري و تنبح فأدخلوا في قلبه الخوف فظل يجري و الكلاب خلفه. أبعدوه من القرية و لكنها مصرة على ملاحقته.
خاف الذئب على حياته، فزاد من سرعته و ترك الكلاب وراءه تلهث من شدة التعب. بدأت الكلاب المرهقة تنسحب من الملاحقة واحدة تلوى الأخرى.
يتفاجأ الذئب أن الكلب لا ييأس رغم أن سيده ليس لديه ما يخشاه من الذئب.
نظر الذئب إلى خلفه فشاهد الكلاب تناقصت أعدادها، فرح لذلك و أرتاح، لكنه واصل الجري، إلى أن الكلاب الباقية أدركها التعب و فقدت الأمل في ملاحقته فتوقفت عن المطاردة.
بقي كلب واحد يجري و يلهب وراء الذئب و ينبح، أصاب التعب الذئب فتوقف وكشر
عن أنيابه في وجه الكلب إنذارا و تحذيرا من الإقتراب إليه.
توقف الكلب عن الجري و ظل ينبح و يدور حول الذئب، و كأنه يقول للذئب إني سأنهش لحمك اليوم. نظر الذئب إلى حالة الهيجان التي أصيب بها الكلب، فقال له
أنت كلب الراعي بالقرية؟
قال له الكلب لا
سأل الذئب: أنت كلب صاحب البقرة؟
أجاب الكلب: لا.
أنت كلب صاحب الدجاج؟
الكلب: لا.
قال الذئب: ماذا يسعى صاحبك من الحيوانات؟
الكلب: لاشيء
قال الذئب لماذا تطاردني و سيدك لا يملك شيئ يخاف عليه
أجاب الكلب هكذا
الذئب: من يكون سيدك؟
أجاب الكلب سيدي فرّان القرية. هو الذي يعدّ الخبز لكل أهل القرية.
الذئب: كلاب القرية الذين يخافون على ارزاقهم رجعوا كلهم إلى القرية إلاّ أنت. ما هي فائدتك يا ترى من ذلك؟
قال الكلب الحرص على القرية.
الذئب: أيها المنافق سوف أفضحك اليوم أمام ناس القرية حتى يتبين لهم أنك مخادع. لا يؤتمن من جهتك، تتظاهر لأهل القرية بالوفاء، و أنت تمارس الحيلة و التملق.
خلاصة القول
هكذا تعمل حاشية السلطان، تحاول أن تعمل على إرضاء أسيادها، تخادعها، تتظاهر بخدمتها و الوفاء لها. تعمل على جعل الحياة جملية و سعيدة، و لا خوف عليها أمام أسيادهم حتى تحافظ على مصالحها و نفوذها. لكن حقيقتها تقف مع القوي حين تهتز الأعراش